الضفة الغربية- تصاعد المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال والاستيطان

المؤلف: أحمد الحيلة10.12.2025
الضفة الغربية- تصاعد المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال والاستيطان

منذ 28 أغسطس/آب المنصرم، شنّ الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية شاملة ومكثفة في ربوع شمال الضفة الغربية، مستهدفًا بشكل رئيسي مدنًا مثل: طوباس، وطولكرم، وجنين، بالإضافة إلى مخيمات مثل: نور شمس، وجنين، والفارعة. هذه الحملة ليست سوى فصل جديد في سلسلة متواصلة من العمليات العسكرية التي لم تتوقف منذ سنوات عديدة، بدءًا بحملة "السور الواقي"، مرورًا بعملية "جزّ العشب"، وصولًا إلى حملة "بيت وحديقة"، وانتهاءً بالحملة الحالية التي تحمل اسمًا رمزيًا هو "مخيمات صيفية". 

على الرغم من أن هذه الحملات قد نجحت، ولو بشكل ظرفي ومحدود، في إضعاف شوكة المقاومة الفلسطينية، إلا أن هذه المقاومة سرعان ما استعادت عافيتها، وعادت بقوة أشد وبانتشار أوسع، لا سيما بين أوساط الشباب الفلسطيني. وهو ما أكدته استطلاعات الرأي العام التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في شهر يونيو/حزيران 2024، حيث أظهرت أن نسبة كبيرة تصل إلى 75% من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يعلنون تأييدهم لعملية "طوفان الأقصى"، وينظرون إليها باعتبارها محاولة ناجحة لإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي. 

دوافع وأهداف الحملة

لم تتوقف عمليات الاعتقال والمداهمة والقتل التي يشنها الاحتلال في الضفة الغربية حتى قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولكن وتيرتها تصاعدت بشكل ملحوظ بعد معركة "طوفان الأقصى". وخلال فترة تقدر بنحو 11 شهرًا، أسفرت هذه العمليات عن استشهاد ما يزيد على 600 فلسطيني، وإصابة حوالي 5800 آخرين بجروح متفاوتة، إضافة إلى اعتقال أكثر من 10 آلاف شخص. 

ومع ذلك، يبقى السؤال المطروح بإلحاح هو: إذا كانت هذه الحملات مستمرة طوال هذه المدة، فلماذا اشتدت حدة الحملة العسكرية الراهنة بهذا الشكل الملحوظ؟ ويمكن تلخيص الإجابة في النقاط الرئيسية التالية: 

  • المقاومة المتنامية في الضفة الغربية:
     على الرغم من التكثيف الهائل للعمليات الأمنية الإسرائيلية، استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تنمو وتتوسع كمًا ونوعًا، وامتدت جذورها في عمق الضفة الغربية، الأمر الذي يثير قلقًا بالغًا لدى الاحتلال. فالضفة الغربية تعتبر خاصرة رخوة في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وكانت تاريخيًا منطلقًا للعمليات الفدائية والاستشهادية التي تستهدف قلب المدن الإسرائيلية. هذه العمليات كانت قد توقفت لسنوات، لكنها عادت للظهور مرة أخرى في ظل استمرار الممارسات الإسرائيلية القمعية والجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين.

أحد الأمثلة الصارخة على ذلك تمثل في قيام شاب فلسطيني بالوصول إلى مدينة تل أبيب في الشهر الماضي، وهو يحمل عبوة ناسفة تزن حوالي 10 كيلوغرامات. وقد انفجرت هذه العبوة أثناء سيره في أحد الشوارع. هذه الحادثة، التي كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تتسبب في كارثة أكبر لو تمكن المهاجم من الوصول إلى هدف حيوي، شكلت تحديًا إستراتيجيًا حقيقيًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته التي تواجه ضغوطًا متزايدة من الأجهزة الأمنية والجيش لعقد اتفاق تهدئة مع حركة حماس، بهدف تجنب حالة الاستنزاف والغرق في مواجهة مفتوحة قد لا تُحمد عقباها. 

  • تعزيز الاستيطان الاستعماري:
     يمثل تنامي المقاومة الفلسطينية عقبة كأداء أمام المشروع الاستيطاني الإسرائيلي التوسعي، الذي تدعمه الحكومة الحالية بكل ما أوتيت من قوة، بقيادة وزيري المالية والأمن القومي المتطرفين، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وبرعاية مباشرة من بنيامين نتنياهو. 

تسعى الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة إلى مضاعفة أعداد المستوطنين في الضفة الغربية من حوالي 800 ألف مستوطن حاليًا إلى ما يقرب من 2 مليون مستوطن في غضون السنوات القليلة القادمة؛ بهدف القضاء نهائيًا على فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وتهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، وضم الضفة الغربية بشكل كامل إلى السيادة الإسرائيلية، وفرض سياسة الأمر الواقع بقوة السلاح والإرهاب. 

وقد صرّح وزير المالية الإسرائيلي المتطرف سموتريتش، في يوم 31 أغسطس/آب الماضي، قائلاً بكل وقاحة: "نحن نعمل على الأرض بكل جد وإخلاص لتعزيز الاستيطان وتقويضه وإفشال أي فرصة لقيام دولة فلسطينية"، في إشارة واضحة إلى الحملة العسكرية التي يشنها جيش الاحتلال في الضفة. كما أعلن بن غفير عن نيته المبيّتة لبناء كَنيس يهودي ضخم داخل باحات المسجد الأقصى، في استفزاز سافر لمشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم. 

  • تحييد خطر حزب الله:
     بعد أن تمكن الاحتلال الإسرائيلي، ولو مؤقتًا، من احتواء رد حزب الله على عملية اغتيال القيادي العسكري البارز فؤاد شُكر وتجنّب سيناريو الحرب الموسعة الشاملة، قرّر توجيه كل جهوده وموارده نحو الضفة الغربية بهدف القضاء على المقاومة المتصاعدة هناك، وسحق أي بادرة للتحرك أو الانتفاضة. 

يتخوف الاحتلال الإسرائيلي بشدة من أن تتحول الضفة الغربية إلى ساحة استنزاف جديدة ومستدامة لقواته وموارده، خاصة وأن حركة حماس تسعى جاهدة لتوسيع نطاق عملياتها من قطاع غزة المحاصر إلى الضفة الغربية. ولذلك، يبذل جيش الاحتلال كل ما في وسعه من جهد للتخلص من خطر المقاومة في الضفة، لكي تتمكن إسرائيل من تركيز جهودها العسكرية ضد المقاومة في قطاع غزة، وحزب الله في الشمال. 

احتمالات متعارضة

إن تكثيف العمليات العسكرية والأمنية الإسرائيلية المتواصلة، والتي تتم بالتنسيق الكامل مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، قد ينجح في أفضل الأحوال في إضعاف المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية بشكل مؤقت، ولكنه قد يفشل أيضًا في تحقيق أهدافه المعلنة، خاصة إذا تمكنت المقاومة الفلسطينية الباسلة من إدارة المعركة بذكاء وحكمة على امتداد جغرافيا الضفة الغربية، التي تشكل ما نسبته 17% من مساحة فلسطين التاريخية، وبالاعتماد على الخلايا الصغيرة النائمة و"الذئاب المنفردة" التي يصعب تعقبها واكتشافها، كما حدث في عملية مهند العسود البطولية في ترقوميا شمال غرب الخليل، حيث تمكن بمفرده من قتل ثلاثة ضباط إسرائيليين مدججين بالسلاح بإطلاق 11 رصاصة فقط. 

إن الأجواء الحالية في الضفة الغربية تنذر بتفجر الأوضاع في أي لحظة، فالأفق السياسي مسدود تمامًا، والاحتلال يسعى بكل ما أوتي من قوة لتصفية فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، والاستيطان الاستعماري يتزايد باضطراد ويواصل نهب الأراضي الزراعية والموارد المائية، واعتداءات مليشيات المستوطنين المسلحة المدعومة من جيش الاحتلال تتزايد وتيرتها على القرى والبلدات الفلسطينية. 

يقوم هؤلاء المستوطنون المتطرفون بقتل الفلسطينيين بدم بارد وحرق منازلهم ومزارعهم وسياراتهم وممتلكاتهم. وهذا ما حذر منه رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، رونين بار، في رسالة عاجلة لرئيس الوزراء نتنياهو، معتبرًا أن "الإرهاب اليهودي" المتصاعد قد يشعل الأوضاع في الضفة الغربية، الأمر الذي سيشكل تحديًا إضافيًا للجيش الإسرائيلي المستنزف بالفعل في قطاع غزة، وفي مواجهة حزب الله في الشمال. أضف إلى كل ما سبق، استمرار السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك. 

ولكن، على الجانب الآخر، فإن صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري في قطاع غزة المحاصر، على الرغم من الظروف الصعبة والقاسية التي يمر بها، وإبداع المقاومة الفلسطينية الباسلة في القتال، يمثلان مصدر إلهام ودافعًا قويًا لاستنهاض المقاومة في الضفة الغربية. وهذه الأخيرة، عندما تتمكن من ترسيخ أقدامها وتثبيت وجودها، يجب عليها أن تتكيف بذكاء مع الظروف الجغرافية والديمغرافية الخاصة بالضفة، فالنموذج الناجح للمقاومة في غزة، لا يقتضي بالضرورة استخدام الأساليب ذاتها، بل يستلزم بالدرجة الأولى نهوض الهمّة واستقراء الواقع بشكل صحيح ودقيق. 

مرحلة حرجة

إن الحراك المقاوم المتصاعد في الضفة الغربية يأتي في مرحلة حرجة وحاسمة من تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكي يلعب دورًا محوريًا في مسارين أساسيين: 

  • وقف المشروع الاستيطاني التهويدي الذي يشكل تهديدًا وجوديًا حقيقيًا للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة وحقوقه المشروعة. فالدفاع عن النفس والأرض والمقدسات هو حق طبيعي ومشروع لكل شعب يخوض صراع تحرر وطني ضد الاحتلال والاستعمار، خاصةً بعد الفشل الذريع لمسار المفاوضات العبثي، وتحول اتفاقيات أوسلو المشؤومة إلى عبء سياسي وأمني واقتصادي ثقيل على كاهل الشعب الفلسطيني. 
  • إسناد المقاومة الشرسة في قطاع غزة التي تواجه حملة إبادة جماعية وحشية منذ ما يقرب من 11 شهرًا. وإذا افترضنا جدلاً أن الاحتلال قد يتمكن في نهاية المطاف من حسم المعركة لصالحه في غزة، فإن الضفة الغربية ستكون هي الهدف التالي له لاستكمال المشروع الاستيطاني التهويدي، تمهيدًا لضمها بشكل كامل إلى إسرائيل بدعم أمريكي مطلق وصمت دولي مخز وتخاذل عربي مشين. 

لذلك، تبقى وحدة الموقف الفلسطيني المقاوم ضرورية وحتمية لحماية القضية الفلسطينية من التصفية الممنهجة التي تتعرض لها منذ عقود طويلة. ومن هنا، فإن المعركة الحالية الدائرة رحاها في الضفة الغربية هي معركة وجودية مصيرية ومنطلق حاسم لرسم مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة. 

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة